ما لا تعرفه عن صوت صفير البلبل
صوت صفير البلبل قصيدة شهيرة من تأليف الشاعر المخضرم الأصمعي، أما عن سبب شهرتها فيعود في الأصل إلى قصة طريفة كُتبت في التراث العربي، وظل محبي الشعر يتوارثونها عبر الأجيال لطرافتها، والقصة بها عبرة وحيلة ومكيدة، وحتى تعلم عزيزي القارئ تفصيل جوانب القصة والقصيدة لابد لك من قراءة موضوعنا اليوم عنها.
صوت صفير البلبل
يُحكى أنه كان هناك خليفة عباسي عاشق للشعر والشعراء، وقتها كان يتولى خلافة المسلمين، واسمه كان “أبو جعفر المنصور”.
وأعجب ما ذكر في شأن هذا الخليفة أنه أعلن في يوم عن مسابقة للشعراء، بأن من ينظم له قصيدة لم يسمع بها من قبل سوف يمنحه ثقلها ذهبًا!.
فتبارى الشعراء في تقديم أفضل ما لديهم من قصائد سهروا على تنظيمها وقفيها عدة ليال، ثم يتفاجئ الشاعر منهم أنه عندما يذهب ليلقيها على الخليفة يقول له الأخير أنه سمعها من قبل ثم يبدأ في إلقائها عليه.
وحتى يثبت له الخليفة أنها قصيدة معروفة يأتي بغلام عنده فيتلوها هو الآخر، ثم ينادي جارية عنده تقولها هي الأخرى، وكل منهم يحفظها عن ظهر قلب.
فيسقط في قلب الشاعر ويحتار كيف حدث أن قصيدته التي صاغها بالأمس غيره يحفظها، فيعود خائب الرجى إلى منزله.
والأمر تكرر مع كل الشعراء الذين أتوا إلى الخليفة أبو جعفر ليلقوا على مسامعه ما نظموا من الشعر.
تابع قراءة التالي: قصة علي بابا واهم تفاصيلها
شرح جوانب المكيدة
ما لم يعرفه هؤلاء الشعراء أن أبا جعفر المنصور حباه الله بنعمة حفظ القصيدة مهما بلغ عدد أبياتها بعدما يسمعها أول مرة.
وكان له غلامًا يحفظ تلك القصائد عندما يسمعها مرتين، وبالصدفة البحتة كان يمتلك جارية تحفظها من ثلاث، وعلى سبيل الطرافة كان يسمعها الخليفة من الشاعر فيحفظها، وحتى يثبت للشاعر أنه سمعها من قبل يلقيها على مسامعه، وفي هذا الوقت يكون الغلام حاضرًا فيحفظها بعدما سمعها من الشاعر والخليفة.
ثم يأتي دور الجارية التي تسمعها من الشاعر مرة، ومن الخليفة مرة ثانية، ومن الغلام سابق الذكر مرة ثالثة فتكون حفظتها عن ظهر قلب فتلقيها هي الأخرى على مسامع الجميع.
وظلت الجائزة معلقة ولم يفز بها أي شاعر، فكل من يذهب للخليفة يجده حافظًا لها هو وغلامه وجاريته رغم أنها من تأليفه، ولا يعلم السر في ذلك.
اقرأ أيضاً: قصيدة الاصمعي قصة قصيدة صفير البلبل
حيلة الأصمعي ضد مكيدة الخليفة
ثم حدث أن قدم الأصمعي إلى تلك المدينة، ورأى الحزن يخيم على ملامح الشعراء جميعًا، فما كان منه إلا أن سألهم عن سبب حزنهم هذا، فحكوا له جميعًا ما كان من الخليفة وغلامه وجاريته.
فذهب الأصمعي إلى منزله يفكر ويفكر في تفسير هذا الأمر، فما كان منه إلا أن اكتشف الحيلة، وقتها قرر أن يصيغ قصيدة جديدة كلماتها غير مستخدمة كثيرًا، ووزنها وقافيتها صعبة بعض الشيء.
ثم ذهب إلى الخليفة في اليوم التالي وهو متخفي في زي أعرابي ملثم، ودخل عليه قائلًا، يا مولاي الخليفة لدى قصيدة لم تسمع بها من قبل، فرد عليه أبو جعفر قائلًا: لو كان ذلك سأمنحك ثقلها ذهبًا.
فطفق الشاعر ينشد عليه قصيدة بعنوان صوت صفير البلبل، قائلًا:
صـوت صــفير البلبل هيج قـــلبي الثمــلي
المـــــــاء والزهر معا مــــع زهرِ لحظِ المٌقَلي
و أنت يا ســـــــــيدَ لي وســــــيدي ومولي لي
فكــــــــم فكــــم تيمني غُـــزَيلٌ عقــــــــــيقَلي
قطَّفتَه من وجـنَةٍ من لثم ورد الخـجلي
فـقال لا لا لا لا لا وقد غدا مهرولي
والخوذ مالت طربا من فعل هذا الرجلي
فولولت وولولت ولي ولي يا ويللي
فقلت لا تولولي وبيني اللؤلؤ لـي
قالت له حين كـذا انهض وجد بالنقلي
العبرة من قصة صوت صفير البلبل
بعد أن سمع الخليفة القصيدة وجد أنه لم يحفظ منها شيئًا فتعجب بشدة، ونادى على غلامه وجاريته ليسأل كل منهما هل سمع أحدهما القصيدة أو يحفظها، فنفى كلاهما سماعه لها من قبل.
وقتها لم يكن في يده إلا أن أعلن للشاعر أنه فاز بالجائزة، وعليه أن يحضر ما كتب عليه قصيدته حتى يزنه ويمنحه ما يساويه ذهبًا.
فقال الأصمعي المتنكر خلف لثامه أنه كتبها على عمود حجري قديم في بيت والده، وأنه جلبه معه على جملِ يحمله على ظهره.
فأمر الخليفة بإحضار العمود ليتم وزنه ومنح الشاعر كمية الذهب التي تساويه، فشك الوزير به، وهمس للخليفة أن هذا الأعرابي ما هو إلا الأصمعي متخفيًا.
وقتها أمره أبو جعفر أن يكشف وجهه وتأكد بالفعل أنه الأصمعي فأمره أن يترك الذهب ويذهب، فرفض الأصمعي ذلك إلا بشرط، وهو أن يمنح الملك كل شاعرًا قدم إليه من قبل بقصيدة حق قصيدته التي حفظها ذهبًا.
فما كان من الخليفة إلا أن انصاع لرغبة الأصمعي، وقام بتوزيع الذهب على الشعراء الذين سعدوا بحيلة الشاعر المخضرم، ومن وقتها ظلت تلك القصيدة شاهدًا على موقف طريف قلما يتكرر.
اطلع على: قصة عباس بن فرناس
وقد ذكرنا لك عزيزي القارئ بعض أبياتها، ونتمنى أن تكون سعدت بمعرفة القصة وما كان من الشاعر الأصمعي.