أبو فراس الحمداني البدر الذي افتقده قومه الفارس المغوار
أبو فراس الحمداني تعرف على فارس السيف والقلم حياته وشعره
أبو فراس الحمداني نبذة تاريخية
كانت الدولة العباسية في نهاية عصرها تعاني من الضعف والتفكك وانتشار المشكلات السياسية التي تعصف بأركانها, وذلك شأنها شأن جميع الدول التي قبلها فالمعروف تاريخيا أن الدول تمر بمراحل عمرية من الضعف والقوة عبر عمرها الزمني ثم يقودها العمر إلى ذلك الضعف ويكون نتيجة لضعف الولاة وفسادهم السياسي ..
فعندما ولي الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر المقتدر بالله على حكم الموصل ناصر الدولة والذي كان له أطماعا بالحكم وأراد أن ينفرد بحكم ولاية خاصة به تكون قوية ويتخلص من ضعف الدولة العباسية .
استعان ناصر الدولة بقوته العسكرية وسيطر على مناطق في شمال العراق وبعدها طلب الأمان من الخليفة العباسي الذي أعطاه الأمان واعترف بدولته في مقابل مبلغ مالي يدفعه وفق نظام سمي بنظام الضمان.
اهتم ناصر الدولة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية لتدعيم سلطته وتقوية حكمه فزادت سلطته وانتعشت البلاد واستطاع من بعده ابنه سيف الدولة أن يوسع دولته ليستولي على حمص.
لقد اشتهر سيف الدولة الحمداني في التاريخ الإسلامي شهرة واسعة ..لأنه حارب الروم والبيزنطيين واستبسل في القتال هؤلاء البيزنطيون هم الذين أرهقوا الدولة العباسية بالهجمات والحروب.
اشتهر أيضا سيف الدولة الحمداني بتشجيع الأدباء والعلماء والحكماء ونظمت في عهده أشعار ملحمية وبطولية ودخل التاريخ من أوسع أبوابه.
في هذه الدولة القوية وفي هذا الجو الملحمي البطولي الخاص نشأ الشاعر أبو فراس الحمداني وترعرع.
أبو فراس الحمداني تعريفه ونشأته الأدبية
هو أبو فراس الحمداني الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني ويعود نسبه إلى قبيلة تغلب , توفي والده وهو صغير وتولى تربيته وتعليمه ابن عمه سيف الدولة الحمداني
لقد نشأ أبو فراس الحمداني في وسط أدبي يهتم بالشعر ويقدر الموهبة.
فقد كان ابن عمه سيف الدولة يحبه كثيرا وقد قربه منه وجعله يقيم معه في حلب ووفر له الرعاية العلمية اللازمة من المعلمين والحكماء والشيوخ,
فقد أحبه وقرر أن يجعله فارسا مغوارا يزود عن حدود الدولة الحمدانية ويثبت أركانها , وقد نشأ أبو فراس في حلب التي قضى بها أكثر سنين عمره وكانت حلب آنذاك من أرقى المدن العربية ثقافة وذخرا في الثقافة وخاصة في الفكر والأدب .
ولقد كان سيف الدولة محبا للفكر والأدب واحتشد بلاط الأمير بالعلماء والأدباء والشعراء يتنافسون على مائدة العلم والأدب و يجدون التقدير من أميرهم المحب للشعر والآداب والعلوم والذي يمجد أصحابها ويعلي من شأنهم هذا الجو الراقي نشأ فيه الشاعر أبو فراس وترعرعت قريحته الأدبية فانطلقت موهبته تغزو القصائد بروعتها وأنشأ لنفسه طريقا خاصا ذو طابع خاص به , فلقد كانت رومايتة الشهيرة وقصائده الرنانة التي تتميز ببساطة التعبير وجزالة الأسلوب وعمق المعنى مرفأ المحبين وقبلة العاشقين .
أبو فراس الحمداني أخلاقه الجمة التي انعكست على شعره
كان أبو فراس جم الخلق نقي النفس عفيف الهوى رقيق القلب والمشاعر لم يكن أبدا يتجه إلى دنيا المجون والترف و رغم أنه أمير… لكن عفة نفسه ورقي خلقه جعلت له شخصية نبيلة يغار منها الجميع وجعلت منه فارسا نبيلا يصل بخلقه حد الكمال.
وتلك الأخلاق الجميلة ورقي الشيم ظهر واضحا في شعره الذي تميز بالخلو من المجون والآثام داعيا دوما للخير والحق وكان جوادا معطاءا وشهما مضيافا طبع أبو فراس على الخلق العربي الأصيل , ثم انعكس ذلك على شعره فظهر عليه ذلك الطابع.
أنا الجار لا زادي بطئ عليهم ولادون مالي للحوادث باب
ولقد كان شعره دعوة لحسن الخلق فلقد ولد وعاش وتخلق بالخلق الحميد فهو يدعو الناس له متمنيا أن يكون الجميع على ذلك المستوى الراقي من الخلق الأصيل :
خالص الود صادق الوعد أنسي في حضوري محافظ في مغيبي
تلك هي صفات الصديق الذي تمدحها أبو فراس ويطالب الناس أن يجسدوها في حياتهم ليلمسوا معاني الحق والخير الذي يبحثون عنه وإذا قرأت قصائده العذبة والشهيرة مثل قصائد :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما يردع الموت أهل النهى تقر دموعي بشوقي إليك فليتك تحلو والحياة مريرة
سوف تلمس فيها بنفسك الشئ الكثير من انعكاس الأخلاق العالية والقيم العربية الأصيلة التي تظهر من خلال أبياته التي تنطق بالحكمة .
أبو فراس الحمداني شعره ما بين دواوين وروميات
تميز شعر أبو فراس الحمداني بالرشاقة والجزالة ورقي الألفاظ ورقة المشاعر وصدقها والسلاسة والفصاحة وتميزت قصائده بالانسياب.
كتب معظم قصائده خلال فترة السجن عندما وقع أسيرا وهذا ما أعطاها صدق في المشاعر وقوة في اللفظ فعندما يقول الفارس شعرا فسوف يكون الشعر من منبع الفرسان الأصيل وسوف يكون نموذجا للشهامة والإقدام ولقد انعكست أخلاق الفرسان على أبياته مما زادها روعة ووضعها في قمة الشعر العربي .
انشغل أبو فراس الحمداني بحملاته وحروبه ضد الروم فلم يكن يكتب الشعر إلا في أوقات السلم , ولم يكن لديه الوقت الكافي لجمع قصائده وتدوينها فجمعها المؤرخ خالويه الذي جمع جزءا من قصائد أبو فراس وأيضا قام الكاتب الثعالبي بتجميع قصائد الروميات لأبي فراس الحمداني .
وتلك هي القصائد الجزلة التي كتبها أبو فراس أثناء أسره ووجوده بسجن الروم وتعد من أروع القصائد العربية.
أقول وقد ناحت بقربي حمامة أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ: أيا جارتا هل تشعرين بحالي ؟ معاذَ الهوى ! ماذقتُ طارقة َ النوى وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ على غصنٍ نائي المسافة ِ عالِ ؟ أيا جارتا، ما أنصفَ الدهرُ بيننا ! تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي! أبو فراس الحمداني
أبو فراس الحمداني وشدة الأسر والسجن
ورغم أن أبو فراس الحمداني كان فارسا مغوارا قد أعده سيف الدولة خير إعداد وجهزه لخوض المعارك , ورغم انتصاراته المتعددة إلا أنه لكل جواد كبوة فبرغم الصولات والجولات , لكنه وقع في الأسر على أيدي الروم مرة عام 347 هجري في مغارة الكحل , وحبس في حصن منيع للروم في منطقة تسمى طرسنة.
لكنه لم يلبث في الأسر طويلا , وقيل أنه هرب من الأسر بنفسه واستطاع النجاة حيث ركب جواده ونزل به من أعلى الحصن إلى الفرات بعد أن أمضى حوالي ثلاث إلي أربع أعوام في ذلك الأسر ….,
ثم أسر مرة أخرى حينما سقطت قلعته في منبج بعد أن حاصرها الروم وكانت بينهم وبين الحمدانيين معارك شديدة الوطأة بين كر وفر , ولكن سقطت القلعة سنة 350هجري ووقع أبو فراس أسيرا حيث حبس في القسطنطينية مابين ثلاث إلى أربع سنوات.
ما أحزن أبو فراس وآلمه بشدة , أنه أرسل رسائله إلى سيف الدولة ليبعث من ينقذه من الأسر أو يفتديه بالمال , لكن للأسف ماطل سيف الدولة في ذلك بعد أن استمع إلى وشاية الواشين الذين زرعوا في قلبه الشك نحو أبي فراس , وأحس أن وجود أبي فراس قد يصل به إلى سدة الحكم , وخاصة بعد أن ضعفت الولاية وقويت شوكة الروم في المنطقة , لقد كان ذلك سببا كافيا لحزن أبي فراس وألمه الشديد فلقد تقطعت مشاعره بين حبه للوطن , وإخلاصه لسيف الدولة , وفي نفس الوقت تعرضه للإهمال والمماطلة وعدم نجدته حين احتاج له في تلك الشدة وحيث أن الأسر وحده طامة كبرى على نفس الشاعر فما بالك إحساسه بعدم رد الجميل من أقرب الأقربين , وشعور التخلي الذي فجر لديه اجمل القصائد صادقه المشاعر والتي سميت بالروميات التي تعتبر من اجمل كنوز الشعر العربي روميات أبي فراس الحمداني فكان ذلك الأسر هو منبع القصائد الملحمية العريقة
لذلك لقب ب فارس السيف والقلم حيث صور لنا في تلك القصائد جميع المشاعر التي مر بها في الأسر بكل صدق وعمق
يقول عن العيد في الأسر
يا عيدُ ما عُدتَ بِمَــحبوبٍ ياعيدُ قَد عُدتَ عَلى ناظِـرٍ ياوَحشَةَ الـدارِ الَّتي رَبُّــها قَد طَلَعَ العيدُ عَلى أَهلِـــهِ مالي وَلِلدَهرِ وَأَحـــــــداثِهِ أبو فراس الحمداني
وقصيدته الغراء التي كانت من وحي حبه وصدقه وذاع صيتها إلى عصرنا الحالي حيث تغنت بها كوكب الشرق
(أراك عصي الدمع شيمتك الصبر)
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعا من خلائقه الكبر تكاد تضيء النار بين جوانحي إذا هي أذكتها الصبابة والفكر معللتي بالوصل والموت دونه إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر أبو فراس الحمداني
أبو فراس الحمداني وفاته
بعد افتداء أبو فراس الحمداني من الأسر بسنة واحدة توفي سيف الدولة 355 هجري , ثم قتل أبو فراس الحمداني في معركة بينه وبين قرعويه وهو مولى سيف الدولة الذي طمع في الحكم وقتل أبو فراس في المعركة مقاتلا مدافعا عن دولته سنة 356 هجري في بلدة صدد جنوب شرق حمص وأسدل الستار عن حياة الشاعر الأصيل والفارس المغوار والبطل الجواد أبو فراس الحمداني
الفارس المغوار ذو القلم البتار
الذي رأيناه فارسا يتحول إلى شاعر ولمسناه شاعرا متحولا إلى مقاتل وسياسي محنك…
إنه العاشق المقداد و الفارس الأنيق أبو فراس الحمداني.
مقال رائع واسلوب مميز
جميل
توضيح رائع لأبو فراس الحمداني بترجمة لفه وافية ومتميزين انتم
ولكم جميعاً الشكر والوارف على الجهود والعطاء
لكم مني اجمل التحايا
ماشاء الله عليك سلمت يدك